روائع مختارة | روضة الدعاة | المرأة الداعية | هذا حلال...وهذا حرام!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > المرأة الداعية > هذا حلال...وهذا حرام!


  هذا حلال...وهذا حرام!
     عدد مرات المشاهدة: 4198        عدد مرات الإرسال: 0

¤ صورة:

في مجلس جمع أصنافا شتى من النساء، دارت المضيفة بأكواب للشاي فاخرة مموهة بيسير من الذهب، تأملت فيها الأخت -أم محمد- قليلا فشعرت بالضيق، فهي امرأة صالحة صوامة قوامة، وتذكر أنها سمعت يوما في الإذاعة فتوى عن الشرب في الأواني المطلية بالذهب، تلفتت فإذا بجانبها -نورة- فتاة ملتزمة وخريجة قسم الدراسات الإسلامية، فسألتها هامسة: يا بنتي، هل تعرفين حكم الشرب في الأواني المطلية بالذهب؟ قالت نورة فورا: أجل، حلال يا خالتي، أو لا إنتظري.. كأني أذكر أنها حرام، صح صح، يمكن مكروه.. الظاهر اليسير عادي إن شاء الله ما فيها شيء..!!

[] جرأة متناهية..!

من وجه ظاهر، قد يكون من محاسن عصرنا -وعلى إثر إنتشار التعليم ووسائل الإعلام- تكوّن شيء من الثقافة الشرعية لدى عامة الناس، لكنه من وجه آخر قد يكون سببا في نشأة التساهل والجرأة في الإفتاء وذكر الأحكام الشرعية، بحجة وجود خلفيات من العلم وإن كانت بسيطة لدى الشخص.

ولا يخفى أن من أعظم الكبائر، القول على الله بغير علم، وقد قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} فمع شناعة الكذب وعظيم جرمه، أشنع منه وأعظم أن يكون على رب السموات والأرض..

إن الفتوى بيان للحكم من مشرعه، والجرأة في القول بلا علم هو تصدر للبيان عن الله تعالى بلا روية ولا تأكد، وقد سمى ابن القيم كتابه الذي في أصول الفقه والإفتاء: إعلام الموقعين عن رب العالمين، مشبها المفتي بأنه موقع للحكم عن الله تعالى للناس أجمعين، وقال ابن المنكدر: العالم بين الله وبين خلقه فلينظر كيف يدخل بينهم، فليتأمل المرء عظم المكانة ومسؤولية الكلمة، فالأمر جد عسير.

قال ابن القيّم رحمه الله تعالى في كتابه المذكور: وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فرتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم.

وقال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه.

وقال بعض السلف: ليتقِ أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا، فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورود الوحي المبين بتحليله وتحريمه أحله الله وحرمه الله لمجرد التقليد أو بالتأويل ا.هـ

[] أسباب القول بلا علم:

1= رأسها الجهل، وهو رأس كل مصيبة، فإن الجهل بعظم أمر الفتيا ومسؤوليتها، يجريء المرء على القول: هذا حلال وهذا حرام، ولو كان عنده علم شرعي حق كما يقول، لصار لديه ورع وخشية، وعرف خطر الجرأة على الفتوى والقول بلا علم، وهذا هو الجهل المركب: لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، وكم أحسن أبو حصين الأسدي حين قال: إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر!.

2= ضعف هيبة الله تعالى في النفوس، وإلا فالخوف من الله تعالى وتقديره حق قدره، وقوة الإيمان به وخشيته، تدفع المرء إلى تقوى الله تعالى في الحديث عن الفتوى، كما قال أبو بكر رضي الله عنه لما سئل عن آية: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني وأين أذهب وكيف أصنع إذا أنا قالت في كتاب الله بغير ما أراد الله بها.

3= أحيانا تكون القضية شخصية، أي أن الإنسان يخجل من قول: لا أدري، لئلا تصغر مكانته في نفوس الناس ويحتقروه، فيتجرأ بالحديث ليحفظ ماء وجهه كما يدعي، وهذا ما يدري أنه بهذا الصنيع تصغر مكانته عند الله تعالى ويعرض نفسه للوعيد الشديد، قال ابن مسعود: من كان عنده علم فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم، فإن الله قال لنبيه {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}.

[] كيف إذن نتحدث عن الأحكام الشرعية؟

لا يعني خطر القول على الله بغير علم، أن يسكت المرء دائما عند الحديث عن المسائل الشرعية، إنما يعني أن يسكت إذا لم يكن لديه علم أكيد عنها، ولا ينبغي أن يخجل من قول لا أدري، بل إن ذلك من فقهه وعلمه وخشيته، كما قال الشعبي: لا أدري نصف العلم، أما إذا كان يعرف جيدا فتوى إمام مجتهد فيها، وكان علمه مستندا إلى دليل صحيح صريح أو إجماع، فحينئذ يجب عليه البلاغ وبحرم كتمان العلم.

فإذا أثيرت مسألة وطلب الرأي الشرعي فيها، وكنت تعرفين الحكم من فتوى سمعتها أو قرأتها مع تأكد وضبط، فبيني ذلك مع نسبة الفتوى إلى الشيخ، وهذا هو حال المقلد، أي الذي لا يملك علما شرعيا بالغا وعميقا يؤهله لإستنباط الأحكام، وهو حال السواد الأعظم من الناس -وإن كان منهم المتخصصون في مجالات أخرى- فيقوم بتقليد إمام مجتهد في المسألة، وينسب الفتوى هذه إليه.

لأن الإجتهاد لا يكون إلا لمن حفظ آيات الأحكام وعرف عامها وخاصها وناسخها ومنسوخها، وحفظ أحاديث الأحكام، وحفظ ما قاله الأئمة المجتهدون قبله من الخلاف وأوجه الترجيح والإستنباط، ويشترط أيضا فيه أن يكون عدلا -أي يؤدي ما أوجب الله من الفرائض ويجتنب ما حرم الله-.. إلى غير ذلك من شروط الإجتهاد، مع خشيته وورعه كما كان ابن المسيب لا يكاد يفتي إلا قال: اللهم سلمني وسلم مني..

و ليس المجتهد من يعرف اللغة والتاريخ وشيئا من السيرة النبوية وعددا من الأحاديث النبوية، فهذا ليس مجتهدا ولا يحل له أن يقول من تلقاء نفسه بالحكم دون الإستناد إلى مستند شرعي.

وهناك أمر تجدر الإشارة إليه، إذ في زمننا هذا خاصة كثرت مسائل النوازل، أي المسائل الجديدة التي لم يكن لها مشابه فيما سبق، في الإقتصاد والجهاد والنوازل الفقهية في الطب، وغيرها، فالحذر الحذر من سرعة البت فيها، لأنها تحتاج إلى إجتهاد ونظر وعلم وتأمل، كما قال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83].

ونذكر أخيرا بما يجب علينا من طاعة العلماء الربانيين المجتهدين في فتاواهم وإحترامهم وإتباع رأيهم، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59].

الكاتب: منال الدغيم.

المصدر: موقع رسالة المرأة.